أنا صحافي. لديّ نزعة إلى التملك، لا تلمُس كتاباتي! لا أحبّ أن يتمّ التدخّل في نصوصي بطريقة عشوائية. أنا أطالب بالامتلاك الكامل لإنتاجي التحريري وأنا أتحمّل مسؤولية هذا الطلب. أنا أفرض على نفسي بذل كافة الجهود اللازمة كي لا يطرأ على إنتاجي، عند التدقيق، أيّ تعديل على الشكل أو المحتوى. ينطبق هذا الأمر على كتابة العناوين كما على النسخة. عندما أُخضِع نصاً ما للتدقيق، يجب أن يكون نصّي جاهزاً للنشر، أي مرفقاً، بجهودي الخاصة، بعنوان، أو عنوان تكميلي، أو عنوان فرعي عند الحاجة، وفي كلّ الحالات، ينبغي وجود عنوان أو عدة عناوين مُدرَجَة بين المقاطع. هذا الأمر يُشعرني بالطمأنينة ويسهّل عمل الشخص الحاضر للتدقيق وللأمانة التحريرية.
هناك مجموعة كبيرة من الأنواع متاحة للاختيار من بينها.
لكلّ نوع مقالة، هناك نمط مناسب لكل عنوان. غير أنّ كل نوع من العناوين لديه اختلافاته الداخلية. هناك عناوين خفيفة وأخرى شديدة الجدية، كما أنّ هناك عناوين طويلة وأخرى قصيرة، وهناك عناوين صغيرة وعناوين عريضة، وعناوين بسيطة وأخرى معقَّدة، وعناوين تعريفية وأخرى تحريضية، إلخ. علاوة على ذلك، يُراعي إعداد العناوين قواعد هندسية تختلف من صحيفة إلى أخرى. فبعض المواثيق التحريرية تدعو إلى اعتماد العناوين الواردة على شكل طوابق، في حين تحظِّر بعض المواثيق الأخرى التراصّ التالي: عناوين تكميلية – عناوين رئيسية – عناوين فرعية – فقرة المقدمة.
العنوان الرئيسي المؤلَّف من جملة واحدة. أفضل العناوين هي التي تكون أكثر بساطة. لِمَ تتحمل عبء صياغة عنوان على سطريْن عندما يفي سطر واحد بالغرض؟ لِمَ تتحمل وزر التفاصيل الإضافية عندما يكون العنوان الرئيسي كافياً لتلخيص كلّ شيء؟ العنوان الأفضل هو العنوان التعريفي الذي يكون مكوَناً من جملة واحدة، أي الذي يُجيب بجملة واحدة قصيرة على سؤاليْن أساسييْن: “مَن” و”ماذا”؟:
“قيصر يجتاح بريطانيا”
***
في النوع التوضيحي الأحادي الجملة، يكون العنوان الأفضل هو الذي يعبّر عن مشاعر الكاتب بأقلّ قدر من الكلمات:
“أشهروا أسلحتكم في وجه قيصر!”
***
العناوين الرئيسية المكملة. ما أن أجدَ العنوان الرئيسي، يمكنني أن أضيف إليه بسهولة عناصر مكمّلة. إذا أضفتُ إليه عنواناً تكميلياً أم عنواناً فرعياً، أكون قد صنعتُ عنواناً ثلاثي الصيغة. إذا أضفتُ إليه عنواناً فرعياً فقط أكون قد صنعتُ عنواناً ثنائي الصيغة.
في النوع التعريفي، يُجيب العنوان التكميلي على الأسئلة: “أين؟ ومتى؟”، أمّا العنوان الفرعي فيُجيب على “كيف؟” و”لماذا؟“، و”مع من؟“، و”مع ماذا؟“. وهذا ما يعطي العنونة شكلاً معمارياً متماثلاً مبنياً على الانحياز الجمالي، حيث يضع العنوان التكميلي والعنوان الفرعي العنوان الرئيسي في إطار تماماً كما يسلّطُ الإطار الضوء على اللوحة. هذا هو العنوان الثلاثي الصيغة:
العنوان التكميلي: “حطّ الرحال مع فيالقه، هذه الليلة، على شاطئ دوفر“.
العنوان: “قيصر يجتاح بريطانيا”
العنوان الفرعي: “قنصل روما في الغال يتوجّه إلى لندن التي يريد تطويقها عن طريق تعزيزات من الخيّالة الجرمان“
***
في النوع التحريضي الثلاثي الصيغة، يبقى العنوان التكميلي تعريفياً، لكنّه يشكّل دعامة للعنوان الرئيسي، يُعبّر العنوان الرئيسي عن حُكم تحريري، يعمل العنوان الفرعي على إطالة العنوان الرئيسي وفق أثرٍ تصاعدي:
العنوان التكميلي: “فيالق قنصل روما تحاول اجتياح بريطانيا”.
العنوان: “أشهروا أسلحتكم في وجه قيصر!”
العنوان الفرعي: “قائد البريتون ينظّم المقاومة ويحثّ الغاليين على الثورة”.
***
هناك صيغة مركّبة: العنوان الثنائي الصيغة. تجمع هذه الصيغة بين العنوان الرئيسي الأحادي الصيغة والعنوان الفرعي الذي يلخّص كافة عناصر المعلومات المنتشرة في العنوان التكميلي والعنوان الفرعي من النوع الثلاثي الصيغة:
العنوان: “قيصر يجتاح بريطانيا”
العنوان الفرعي: “قنصل روما في الغال يسير نحو لندن على رأس فيالقه التي حطّت رحالها بالأمس في دوفر”.
تترافق هذه الصيغة المركّبة، بالإجمال، مع فقرة تمهيدية للنصّ. يوفّر هذا الرسم الهرمي المعكوس للقارئ ثلاثة مستويات قراءة قبل بداية النص.
***
إنّ كافة العناوين الصحفية ليست سوى تكييفات أو مزيج من هذه النماذج الثلاثة. بشكل عام، الشكل هو الذي يتحكّم بالقالب المستخدم للعنوان.
العنوان الأحادي الصيغة يناسب بشكل خاص كافة التعليقات: المقالات الافتتاحية، ومقالات الرأي، والأعمدة. العنوان المثالي لمقالة الرأي يكون مؤلفاً من كلمة لكل عمود: عمود واحد: “المقاومةً!” عمودان: “ممنوع المرور! 3 أعمدة: “عد أدراجك يا قيصر!”
يناسب العنوان الثنائي الصيغة التقارير الصحفية:
“يلعب أولاد بريتانيكس الرجبي في حين والدهم يشحذ فأسه”.
التقرير الصحفي الحصري لمبعوثنا الخاص لدى البريتون يُظهر أنّهم عازمون بضراوة على رمي قيصر وفيالقه في البحر.
***
يناسب العنوان الثنائي الصيغة التحقيقات الاستقصائية:
“قيصر يموّل رحلاته بأموال قذرة”.
“يحظى قنصل روما بالدعم المالي من قِبل المصرفيين وتجار الرقيق”.
***
يناسب العنوان الثنائي الصيغ المقابلات:
مقابلة مع بريتانيكس، قائد البريتون الذين عقدوا العزم على طرد الرومان.
“لقد وصل قيصر على متن باخرة لكنه سيعود سباحة!”
***
أما بالنسبة إلى العناوين الواردة بين المقاطع، فهي ليست فقط مراجع بصرية هدفها إضفاء الحيوية على النصوص وجعلها أقلّ ضغطاً ومقروءة أكثر. في الواقع، تُضفي هذه العناوين وتيرة معينة على النصوص عبر إعادة إحياء القراءة. يجب التفكير ملياً قبل اختيار هذه العناوين إذ لا يجب أن تتكرّر في محتوى العناوين الرئيسية والعناوين التكميلية أو العناوين الفرعية. إذا ما تمّ اختيارها بشكل مناسب، تسلّط هذه العناوين الضوء على معلومات مهمة: “احتياطي الشاي“، “1000 حصان“، “30 مراقب“…
مقاومة الاندفاع إلى استخدام عناوين تعتمد على أسلوب الإثارة.
تقود المنافسة أحياناً الصحافة المكتوبة نحو اختيار عناوين مثيرة للمطالبة باتخاذ إجراء معين، تتمثل في التلاعب اللفظي، واللعب على الكلام، أو تحوير عناوين الكتب، والأفلام أو المسلسلات التلفزيونية إلخ. عندما نقع في هذا الإغراء، تكون النتيجة أحياناً مثيرة للضحك. لكنْ هل هذا الأمر يعد فكرة جيدة في صحيفة جادة؟ من خلال الانجرار وراء هذه الإجراءات السهلة، نقلّصُ مستوى الكتابة الصحفية إلى حدّ اللهو الصبياني. من هنا، يجب أن تكون هذه الممارسة حكراً على الصحافة الساخرة.